لا تزال وديان الطفيلة التي حفرتها الرياح تتذكر جيدًا خطوات الحضارات التي مرت من هنا، ففي زوايا الكهوف الخافتة تهمس شظايا الصوان بحكايات الصيادين من العصر الحجري القديم. ثم تتردد أصداء مملكة ماضية من أعلى منحدرات الحجر الرملي حيث بنى الأدوميون بروحهم النارية، مدينة سموها "توفل".
في الطرقات بين السلع والحسا وبصيرا وغرندل سارت الألوية الرومانية بإيقاعها المنضبط عبر الطفيلة تاركة وراءها أثرًا من حكمها سرعان ما خبت عندما استسلمت الرمال لرياح الصحراء، حاملة همسات فرسان الغساسنة، حلفاء البيزنطيين القساة.
في وديان الطفيلة، تتردد الأسئلة: من الذي صعد أبراج المراقبة في قلعة السلع الشاهقة، ناظرًا إلى المدى؟ من الذي صلى في الكنيسة البيزنطية في بصيرا؟ من هؤلاء الذين سكنوا قصر اللعبان، وتسامروا في كاترينا والتوانة؟ من تحت أي دفء تتدفق ينابيع عفرا الشافية؟
عاشت هذه الأرض فجرًا جديدًا تلو الآخر، حقبة بعد حقبة، أخذت من كل منها أثرًا وزيادة. لا أوضح من تاريخ هذه المدينة الذي يمكن قراءته في جدران مبانيها، في وسطها التراثي، في مساجدها التي انتثرت مثل زهور في الصحراء بعد العصر الإسلامي، وأينعت في قلب الطفيلة.
مع كل أذان يرفع، يعرف أهل الطفيلة جيًدا قصة دخول الإسلام إلى مدينتهم، التي شهدت استشهاد الصحابي الحارث بن عمير، مبعوث النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلى الغساسنة، والذي كان في طريقه إلى ملك بصرى، قبل أن يتعرض للغدر ويقتل. هذه الحادثة تبعتها معركة مؤتة الشهيرة في الكرك المجاورة، وتبعها أيضا دعوة أهل الطفيلة إلى الإسلام، والتي لاقت صدى وقبولاً سريعًا.
تضم الطفيلة أضرحة عدد آخر من صحابة النبي عليه السلام، من بينهم جابر الأنصاري، وكعب الغفاري، وغيرهم. تقف الأضرحة هذه شاهدًا على بطولة أهل المدينة، ومحبتهم لوطنهم، كما يقف سهل حد الدقيق سجلًا لبطولة قبائل الطفيلة في معاركهم جنبًا إلى جنب مع الهاشميين في ثورة العرب الكبرى، وشاهدًا على حكمة أبناءها أمثال الشيخ ذياب العوران، والد الشيوخ، ومهندس ثورة الطفيلة.
في وسط الطفيلة التراثي توجد الأجوبة: همسات الماضي تختلط بطموحات طلاب الجامعة.. البيوت القديمة تروي قصص سكانها، والجدران تحمل الروح الدائمة لأصحاب النفوس الكبيرة، والرياح ما تزال تنحت عمالقة من الحجر الرملي، وتحكي عن الذين مروا من هنا ومضوا، والذين تشبثوا بالأرض وبقوا.
عبر حجارة الرجيب العتيقة، تهمس الريح بمزيد من الأسرار، وتتعالى حول قرية تحجبها ظلال الزمن. هنا، شرق العاصمة عمان، تقف الرهبة على باب مقام أصحاب الكهف، حيث النوم كان المعجزة.
قبل عشرين قرنًا من الزمان، لعب هذا الكهف دورًا بطوليًّا في قصة خُلِدّت للأبد. فلقد كان مأوى للفتية الصالحين، الذين فروا من طغيان قومهم، ولجأوا إلى رحمة ربهم الواحد، وتوسطوا المغارة الصخرية الباردة، وقلوبهم دافئة بالإيمان والعزيمة.
وأنت تقف أمام المدخل القديم، تأكد أن تنظر بعينيك إلى السماء، باحثًا عن الشمس التي كانت أيضًا إحدى أبطال القصة، حيث داومت على تتبع ظل النائمين من اليمين إلى اليسار عبر مدخل الكهف، وحافظت على أجسامهم في سباتهم الذي دام أكثر من 300 سنة، وكأن الزمن توقف عندهم.
لكن أمام المقابر السبع داخل الكهف، تعتريك رهبة حقيقية، تجعل زيارتك للمكان تجربة إيمانية وليست مجرد رحلة سياحية، فهي بمثابة تذكير بالتدخل الإلهي الذي حسم مصير الفتية، إذ حولتهم كلمة من الله، إلى شهادات حية على قدرته. كانت أجسادهم، التي لم يمسها السوء، تحمل أرواحا تحلم بمستقبل خالٍ من الاضطهاد، مستقبل مخفي داخل حضن الكهف البارد.
وعند عبورك العتبة الترابية، يجتاحك شعور عميق بالروعة والعجب. كيف يكون الاستيقاظ من نوم دام قرونًا؟ هل كانت حقًا صحوة أم مجرد مقدمة لسبات أبدي جديد إلى يوم القيامة؟ وكيف يمكن أن تكون الحياة بالنسبة لهؤلاء الفتية بعد كل هذه السنين الطويلة؟
وبعد ذلك، تومض صورة في عقلك: يستيقظ الشبان وكلبهم المخلص، ليجدوا عالماً قد تحول، إذ رحل الطغيان، وحلَّ محله جيل يسترشد بالإيمان. لكن كيف لمن نام 300 عام أن يعرف ماذا تغير؟ وكيف له أن يميز بين الحلم والحقيقة؟ فكثير من الناس يستغرقون في اليقظة أكثر من الحلم، ويتمنون أن يتوقف الزمن ولو للحظة.
في منطقة الرجيب، تملأ الأسرار والقصص الهواء. لا يمكنك التجول في هذه الطرقات المقدسة دون أن تتخيل دفء رحلة الفتية والولاء المطلق لكلبهم الرفيق، وعند خروجك من الكهف، يستقر في داخلك شوق، ورغبة في العودة.
ذلك أنه داخل هذه الجدران، كان هناك سر نائم شاهد على أن المعجزات تبقى حتى عبر قرون طويلة من السبات.
هذه واحدة من حلف المدن الرومانية العشر، مدينة كتمت أسرارها ببراعة، وظلت أعمدتها تحرس غموضها، بينما تتربع معلقة على هضبة مطلة على وادي الأردن وبحر الجليل، خلف حجاب من الزمن والبازلت، والكثير من الأساطير. نحت الشاعر أرابيوس على مدخلها حكمةً للعابرين فيها لم تزدهم إلا غموضاً وحيرة.
هذه أم قيس، أو "جدارا" كما سماها الرومانيون، حيث شهد الناس إحدى معجزات المسيح، وحيث نقش الشعراء كلماتهم الأخيرة، وحيث عبر اليونانيون، والبطالمة المقدونيون، والسلوقيون، والعرب الغساسنة، والرومان، والبيزنطيون، والعثمانيون، وحيث كانت الأسواق المزدحمة تزخر بالقوافل والبضائع، وجدال الفلاسفة، وهتاف الحشود في المسرح الغربي. هنا تقف أعمدة البازلت شامخة، شاهداً صامتاً على ماضي المدينة النابض بالحياة.
تكثر الأساطير والهمسات في أم قيس. يتحدث البعض عن أضواء وامضة تظهر في الليل، بينما يتحدث آخرون عن أصوات تحملها الريح، فهل هي ببساطة مجرد خرافات! أم أن ثمة حقيقة أعمق لهذه الحكايات؟ أو ربما تكون صدى يتردد في مدينة الفلاسفة والشعراء أمثال ميلياغروس الجداري، ومينيبوسو فيلوديموس، ويونوماوس، وأرابيوس صاحب النقش الخالد.
تنعم المدينة بوافر من أشعة الشمس الساطعة، ويشكل جمالها الصارخ لغزا آخر لزوارها، لكن مع حلول الشفق، يحل صمت مهيب. حيث تتحدث الحكايات عن أصوات لروح معذبة لم يخلصها من ألمها سوى السيد المسيح، الذي يخبرنا الإنجيل أنه طرد شياطينا كانت تسكن جسد شاب في جدارا، في معجزة ما يزال صداها يتردد في شوارع الأعمدة البازلتية، وبين المؤمنين حول العالم.
هذه مدينة كلما زرتها تزداد فضولاً، وذهولاً. شهدت ماضياً من الحياة الرغيدة والهانئة، ووصفها المؤرخون بأنها كانت مقصداً لمن يريد رفاهية العيش في العصر الروماني. ورغم ذلك، عرف أهلها ببأسهم في الحروب والشدائد. فكيف للزائر أن يفك رموزها في مرة واحدة؟ وكيف له أن يقرأ كلمات أرابيوس الذي لاحق أسرار المدينة طيلة حياته، وقبل أن يموت كتب على بابها: "أيها العابر من هنا، كما أنت الآن، كنت أنا، وكما أنا الآن، ستكون أنت"!
في أم قيس، تبقى نقوش الشعراء حارساً صامتاً على حافة الزمن. وكلما استدار الزائر ليغادر المكان، ناداه المكان بشعور غريب من الوعد بأن المدينة ربما تكشف أسرارها في يوم من الأيام. وحتى ذلك الحين، فليستمع إلى نصيحة الشاعر ميلياغروس، الذي كتب على شاهد قبره: "أيها المارّ من هنا.. لا تخف من مرورك بين أجداث الموتى" واصفا مدينته التي أحب بأنها "جدارا المقدسة.. مسقط رأسي"!
بين زوايا شوارع مدينة السلط العتيقة، في نهاية عتبات صفراء قديمة، هناك كنيسة تحمل اسمين، يقصدها المسيحيون والمسلمون، وتسكنها الأمنيات المكتوبة على قصاصات من أمل ورجاء. ويروي الناس من حولها سماع صهيل فرس القديس جيورجيوس، الفارس الذي وجد بين جدران الكنيسة راحته الأخيرة.
تنتظر الكنيسة زوارها كل يوم، تكتنفها السكينة والهيبة، وتخفي بين جدرانها صدى حكايات من ماضيها وحاضرها، ذلك أن بعض الناس وجد فيها الشفاء، وآخرون جاءوا لهمس أمنياتهم، في مكان يكاد يكون الوحيد في الأردن، الذي يقصده المسيحيون والمسلمون معا.
بنيت الكنيسة، التابعة لبطريركية الروم الأرثوذكس المقدسية، والمعروفة أيضا بكنيسة "الخضر" عام 1682 فوق كهف أثري يعتقد أن القديس جيورجيوس ظهر فيه لراعي أغنام، وطلب منه بناء كنيسة يسميها باسمه في المكان نفسه، ليهرع الأخير إلى أهل بلدته ويجمعهم على بناء بيت للعبادة أصبح اليوم مقصدًا للأمنيات، والصلوات.
ويروي الناس في مدينة السلط، ممن يجاورون الكنيسة، قصة صوت الصهيل الذي سمعوه ذات ليلة في محيط المنطقة، وكيف أن فارساً على صهوة جواده مرَّ مثل الريح بين جنبات المنطقة، ليستيقظوا في صباح اليوم التالي، على آثار حوافر الحصان في داخل الكنيسة. ذلك الأثر الذي ما يزال محفوظاً تحت الزجاج حتى اليوم.
ويعتقد سكان المنطقة ورواد الكنيسة أن الفارس هو القديس جيورجيوس، أو الخضر كما يسميه المسلمون، وهو من الشخصيات الدينية التاريخية التي تحظى باحترام جميع الأديان، وكان قائداً عسكرياً اعتنق المسيحية وحارب من أجلها حتى مات شهيداً حسب التاريخ الكنسي.
وللكنيسة من سمعتها نصيب كبير، إذ لا تتوقف الدهشة عند تاريخها أو قصة بنائها، بل يروي الناس حكايات عن رائحة عطرة تنبعث من صخور الكهف داخل الكنيسة، في حين يُعتقد أن كثيراً من روادها يقولون إن الزيت يقطر من الصخرة اليمنى للمغارة، بينما ينساب ماء غير معروف المصدر من أعلاها.
وتتناثر في أروقة الكنيسة قصاصات صغيرة من الورق، كتب عليها أصحابها أمنياتهم، وتركوها هناك، على أمل أن تتحقق. فمنذ أن انتشرت الحكايات عن عجائب هذه الكنيسة، دأب الناس على القدوم إليها، محملين بالأمنيات: فهذه امرأة تتوق للإنجاب، وتلك فتاة تنتظر حبيبها، وذلك مريض يطلب التعافي.
في شارع "الخضر" في السلط القديمة، تقف الكنيسة شاهداً على قوة الأمل، ومثالاً حاضراً لقرون طويلة على قدرة المحبة في جمع الناس من جميع الأديان، لا تفريقهم! تقف في سكينة تامة، لا يقطعها سوى صوت صهيل فرس القديس جيورجيوس، الذي ربما يأتي ليجمع قصاصات الأمنيات، ذات ليلة.
ربما لم يكتشف عن آثار موقع أم الجمال، الواقع في شمال الأردن، سوى القليل، لكن هذه الأحجار البازلتية السوداء تخبر عن الكثير، وتثير حيرة علماء الآثار والمستكشفين، بهياكلها ونقوشها النابضة بحضارات بعضها مرَّ من هنا، واستقر فيها بعضٌ آخر.
ففي هذه "الواحة السوداء"، ذات الصخور البركانية البديعة، التي حفلت ذات يوم بالقوافل التجارية وأخذت اسمها منها، حضارة تعود إلى القرن الأول الميلادي عندما كانت المنطقة جزءًا من مملكة الأنباط. هي مدينة عامرة بالغموض، وساحرة لزوارها، وهي سابع موقع أثري أردني يدرج على لائحة التراث العالمي لليونسكو.
في أم الجمال تتناثر المعالم الأثرية والنقوش بلغات ولهجات عدة مثل اللاتينية، واليونانية، والنبطية، والصفائية، والعربية المبكرة، والتي تمتد إلى بضعة قرون وتلقي شعاعًا من الغموض حول تاريخ المدينة، وحياة من حكمها، ومن سكن فيها.
على حجر أسود نقش المشيعون اسم رجل يدعى "فِهر بن شلي"، ثم تركوا علماء الآثار والتاريخ يبحثون عنه؛ من هو هذا الرجل؟ وما علاقته بالمكان؟ وهل كان شيخًا قبليًا أم صانع ملوك كما يدعي النقش. إذ كتب على الحجر "هذا قبر فِهر بن شلي معلّم (مربي) جذيمة ملك تنوخ".
وربما يشير هذا النقش الغامض إلى الملك جذيمة الأبرش، الذي حكم قبائل التنوخيين سكان جنوب سوريا والأردن، وكان هؤلاء يستخدمون لغة عربية قديمة وينقشون بالخط النبطي.
هذا النقش ليس سوى لغز صغير في كتاب أم الجمال الحافل بالأسرار. فقد استوطن الأنباط المدينة في القرن الأول الميلادي، ثم احتلها الروم لتصبح قرية زراعية وتجارية، ثم تحولت أم الجمال إلى الديانة المسيحية إبان الحكم البيزنطي وبني فيها (16 كنيسة) على مراحل مختلفة أقدمها كنيسة جوليانوس قبل أن يفتحها المسلمون في القرن السابع الميلادي أثناء الحكم الأموي.
كانت هذه المدينة ملتقى للطرق التي ربطت فلسطين والأردن بسوريا والعراق، إذ أنها تقع على طول طريق تراجان الروماني الشهير، وهي إحدى المدن العشر في حلف الديكابوليس الذي أقيم زمن اليونان والرومان، وكان يضم عشر مدن في المنطقة الواقعة عند ملتقى حدود الأردن وسوريا وفلسطين.
وفي سالف العصور، كانت بوابة كومودوس الضخمة في أم الجمال هي المدخل الرئيسي للبلدة، لكنها اليوم تعد فاصلا بين مجتمع أم الجمال الحديث وبلدتها القديمة، وشاهدًا على حاضر هذه المدينة النابض بالحياة، وماضيها الحافل بالأسرار.
وإلى جانب البوابة العجيبة، يعد المبنى الأبرز في أم الجمال هو معلم كبير يُعرف باسم "القلعة". وكان لهذا المبنى عدة استخدامات على مر السنين. إذ بدأ معلمًا نبطيًا بديعًا، ثم بعد عام (106م) استخدمه الجيش الروماني. ومما يزيد غموض هذه البلدة، أن هذا المبنى يتجه نحو مدينة البترا، أعجوبة دولة الأنباط، وحاضرة مجدهم.
لم يكن "ستوراخيوس بن زادة" الرجل الذي كان يرصف الفسيفساء في كنيسة القديس اسطفان في أم الرصاص بدقة وتفان يعرف أن اسمه سيخلد للأبد بنقش على مذبح الكنيسة، ضمن كنوز من النقوش والأسرار التي يزخر بها هذا الموقع الأثري الواقع جنوب شرق مدينة مادبا الأردنية.
الموقع، المعروف أيضا باسم "حصن ميفعة"، يتضمن آثارًا من العصرين البيزنطي والروماني ومن بدايات الإسلام، وكان معسكرًا رومانيًّا توسع ليصبح مدينة ابتداء من القرن الخامس، غير أن خبراء الآثار يجمعون على أنه لم يكتشف من الموقع سوى القليل، وأن ما يخبئه أكبر بكثير مما يُعرف.
يوجد في أم الرصاص (16 كنيسة) في بعض منها أرضيات من الفسيفساء محفوظة بشكل مذهل أبرزها أرضية كنيسة القديس "اسطفان" التي تمثل مدن المنطقة في ذلك الوقت، وتعطي لمحة عن تاريخ موقع كان ينعم بالسكينة والتقوى، والرهبنة والتعزل، لنسّاك تركوا كل شيء خلفهم وتفرغوا للتأمل.
خرائط الصور الموجودة في الأرضيات الفسيفسائية لكنائس الموقع تخبر عن حياة من عاشوا هناك، وتصور طيورهم وماشيتهم، وصياديهم، في حين توثق أرضية كنيسة القديس "اسطفان" العديد من المدن الأردنيَّة والفلسطينيَّة والمصرية في الإمبراطورية البيزنطية السابقة محددة بأسماء الأماكن بالخط اليوناني.
داخل هذا الحصن المنيع ذي الأسوار العالية، يمكن التجول بين المباني والأقواس والكنائس ذات الطراز المعماري البديع. ويمكن للزائر تأمل أرضية الفسيفساء التي تصور مدن المنطقة، ومن بينها القدس، وأم الرصاص، والإسكندرية.
في أم الرصاص، كان الزهاد ينعزلون للتأمل على قمة أبراج عالية بعيدًا عن الناس، ويمكن للزائر إلى الموقع رؤية برجين مربعين شاهدين على ممارسة "نسّاك الأعمدة"، وهم الرهبان الذين كانوا ينعزلون فوق قمة عمود أو برج لسنوات طويلة يجاهدون أنفسهم في عالم من الزهد الشديد والشوق الروحي.
هذه الأبراج التي حملت النّساك فوقها تقف لتكون أكثر من مجرد أثر تاريخي؛ بل رمز للمرونة وقوة الروح البشرية، حيث تختفي الحدود بين الأرض والسماء حيث العزلة كانت عميقة، واختبارًا للإيمان والتحمل لم يستطع سوى قِلة من الناس تحمله.